مشاهد القيامة في شعائر الحج
الحج رحلة إلى الله تشبه إلى حد كبير
رحلة الإنسان الأخيرة إلى الله والدار
الآخرة ونلمس
هذا بوضوح فى السورة التى سماها الله عز وجل باسم هذه
الفريضة
العظيمة سورة الحج ونجد افتتاحية السورة لا تتحدث عن الحج
وأركانه
وشروطه وإنما تفتتح بتذكير الناس باليوم الآخر وما فيه من
أهوال
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
(1)
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلّ
ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ
عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) }
الحج
هذه هى بداية
سورة الحج تحذير شديد اللهجة من زلزلة الساعة
{ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ
أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا
(5)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) }
الزلزلة
هذه
الافتتاحية تلفت انتباهنا لنتفكر فى شعائر الحج ودلالتها على اليوم
الآخر
ونجد ذالك واضحا فى رحلة الحج من بدايتها إلى نهايتها وعلى سبيل
المثال
1 – استعداد الحاج وتشابهه باستعداد المقبل على
الموت
فإذا أراد المسلم الحج تراه يجمع المال الحلال ويرد المظالم إلى
أهلها
ويسترضى الخصوم ويصل الرحم المقطوعة كل هذا لأنه يعلم يقينا أنه
مقبل
على الله عز وجل فيريد أن يقابله بلا سيئة ولا خطيئة وبلا حق
لأحد عنده
حتى يسلم له حجه
فإذا فرغ من
ذلك تراه يعد الزاد المادى بالطعام والشراب الكافيين
للرحلة
والزاد العلمى حتى لا يخطئ فى النسك والزاد الروحى الذى سيناجى
به ربه
فى الطواف والسعى والوقوف بعرفة
وما أشبه هذا
الحاج بالقادم على الله عز وجل بهذا المنهج ينادى كذلك
عليهم
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ
الْمَلَائِكَةُ
أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي
كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)
نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
}
فصلت
2- وبعد الاستعداد وأخذ الزاد يلبس
الحاج لباس الإحرام وهو مكون من قطعتين
من القماش غير
مخيط بلا جيوب كالكفن تماما بتمام ويترك جزأً من جسده
مكشوفا ليتذكر
به أنه سيعود إلى الله عاريا كما خلقه أول مرة
{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ
وَمَا نَرَى
مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ
بَيْنَكُمْ
وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ
}
الأنعام(94)
3-ومن مناسك الحج الطواف وهو مكث الحاج
طائفا بالبيت الحرام فيذكرنا ذلك
بالمكث بالبرزخ والقبر وما فيه من سؤال
منكر ونكير ويذكرنا شرب الحاج
من زمزم بنعيم القبر وما يفتح فيه
للمؤمن من نعيم الجنة وتقبيله للحجر
بذالك العهد
المأخوذ عليه وهو فى صلب أبيه آدم والتى ستترجم إلى أسئلة
عن الله
والنبى والإسلام يجيب عنها فى القبر
4 – السعى
وتذكيره لنا بخروج الناس من القبور يسعون لأرض المحشر
والوقوف بين يدى الله
وكلٌ مبعوث على ما مات عليه منهم الملبى ومنهم الذاكر
ومنهم المصلى ومنهم من يقرأ
القرآن وصنف آخر غير هؤلاء
منهم السكران لأنه مات وهو يشرب الخمر ومنهم نسأل الله العفو والعافيةواحوال الناس فى هذا السعى مختلفة
عن السعى فى الحج فالناس فى سعىالحج يمشون على أرجلهم أما فى سعى
القيامة منهم من يسعى على رجليهومن من يسعى على
وجهه
{ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا
عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
}
الملك (22)
{ الَّذِينَ
يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ
مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا
}
(الإسراء(97)
5 -ثم يأتى ركن الحج الأكبر وهو
الوقوف بعرفة وهو يوم وكذلك يوم الحساب
هو يوم ولكن شتان
بين اليومين فهذا يوم من أيام الدنيا وأما يوم الحساب
فهو
يوم كألف سنة مما تعدون وأرض المحشر ليست
جبلا كعرفات وإنما أرض
مستوية لا ترى فيها عوجا ولا
أمتا
والناس على عرفات يعرقون والناس فى أرض
المحشر يعرقون ولكنه عرق
غير العرق عرق الحج من حر الشمس وعرق يوم
الحساب من حر الأعمال
والناس على عرفات يعانون من الشمس
وحرارتها وكذلك فى أرض الحساب
يعانون من الشمس ولكن المسافات
مختلفة الشمس فى عرفات بينها وبين
الناس 72مليون ميل أكثر من
100مليون كيلو متر أما فى أرض الحساب
فإن الشمس فوق
الرؤوس بذراع أو أقرب والناس فى عرفات يتهامسون منهم
من يذكر الله
ومنهم من يدعو الله تعالى ومنهم من يتحدث فى أمور الدنيا
وأما
فى يوم الحساب فهم يتهامسون أيضا
{ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ
لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ
إِلَّا هَمْسًا
}
طه(108)
ولنقترب لنسمع هذا
الهمس
( ولا يتكلم يومئذ أحد
إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم
)
متفق عليه هؤلاء الرسل
همسهم دعاء
بالسلامة فما بالنا بالصالحين من الناس فضلا عن
الطالحين
منهم .
والناس يقفون على عرفات منتظرين
ساعة المغادرة ولكن يوم الحساب لا
مغادرة قبل العرض على الله ينادى
على الناس واحدا واحدا كل باسمه فلان
بن فلان هلم
للعرض على الله منهم من ينادى بأحب الأسماء لديه
الصائم
فلان بن فلان القائم الحاج المصلى المزكى
الخاشع
المتواضع : فلان بن فلان هلم للعرض
على الله ومن الناس
من ينادى عليه بأخبث الأسماء أين السارق
فلان بن فلان أين القاتل أين
الخائن أين الزانى أين الحشاش السكير :
فلان بن فلان
هلم
للعرض على الله هكذا على رؤوس الأشهاد .
وبعد انتهاء
الوقوف بعرفة وانتهاء أعمال الحج يتهيأ الناس للعودة
إلى
منازلهم وأوطانهم وكذلك الناس يوم الحساب
بعد انتهاء الحساب يتهيأون
للعودة إلى منازلهم وأوطانهم لكن إما فى
الجنة خالدين فيها أبدا وإما فى النار
خالدين فيها أبدا
(عن أبي سعيد الخدري ،
عن
النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل :
{ ونزعنا ما في صدورهم من غل
}
قال صلى
الله عليه و سلم :
إذا تخلص المؤمنون من الحساب وقفوا
بقنطرة بين النار والجنة ، فيتقاصون
مظالم كانت بينهم في الدنيا ، فإذا نقوا
أمروا بالدخول إلى الجنة ، فوالله لهم
أعرف بمنازلهم في الجنة منهم بمنازلهم في
الدنيا )
رواه
الطبرانى فى الأوسط
وقد روى الكلبي ، عن أبي صالح ،
عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما
أنه قال
صلى الله عليه و سلم :
( الميزان له
لسان وكفتان يوزن
فيه الحسنات ، والسيئات ،
فيؤتى بالحسنات في
أحسن صورة فتوضع في
كفة الميزان فتثقل على السيئات ) .
قال :
( فيؤخذ
فيوضع في الجنة عند منازله ثم يقال
للمؤمن الحق بعملك ) .
قال :
( فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله ) .
قال :
( و يؤتى بالسيئات في أقبح صورة فتوضع في كفة الميزان فتخفف ،
والباطل
خفيف فيطرح في جهنم إلى منازله منها ويقال له : الحق
بعملك إلى النار ) .
قال
:
( فيأتي
النار
فيعرف منازله بعمله ، وما أعد الله فيها من ألوان العذاب )
قال ابن
عباس :
( فلهم أعرف بمنازلهم في الجنة والنار بعملهم من
القوم)
رواه البيهقى فى شعب
الإيمان
بقى للحجيج أن يحبسوا أنفسهم لتصفية
نفوسهم تشبها بأهل الجنة
.
نسأل الله أن يتقبل من الحجيج حجهم وأن
يرزقنا حجا مبرورا تعقبه شهادة
فى سبيله انه ولى ذلك والقادر
عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .